كره احتياطي

مدونة اليوم

كالعادة مع كل عام جديد وتزامن الاحتفالات بالسنة الميلادية الجديدة مع احتفال الطوائف المسيحية المختلفة بذكرى ميلاد المسيح، تبدأ المعركة.

بشائر المعركة بتبتدي مع التحذير من تهنئة المسيحيين بأعيادهم وإلا هتكون كده كمعتقد لدين مختلف بتشجعهم -ياللهول- على اعتبار معتقدهم معتقد صحيح، وبتمر بمراحل التعليق على كل البوستات والتعليقات اللي بتتكلم عن المسيحيين وأعيادهم بالجملة الأيقونية : الحمدلله على نعمة الإسلام. وبتنتهي ذروة المشاغبات برفع محمد صلاح لصورته هو وأسرته قدام شجرة الكريسماس، عشان الناس ما تطيقش روحها بأه ويرفعوا شعار الكفاح الإلكتروني ضد محمد صلاح وشجرة محمد صلاح والعيال الصغيرة بنات محمد صلاح عاليا.

أما ليه كل ده بيتكرر كل سنة، فده طبعا لإننا شعوب ما بتزهقش ، أو ربما لأن مافيش في حياتها مخططات شخصية ولا خطط على مستوى الدولة تشغل دماغها بيها فتعمل إيه؟ تعمل إيه؟ تبص ع المختلفين وتبدأ تتسلى عليهم.

أما عن ليه ده بيحصل أصلا، فقد يكون سبب الشعور والتصورات دي هو من الأسباب المدموجة في المادة الجينية بتاعة الإنسان عموما. فالإنسان من أيام ما كان عايش في الكهوف كان بيعتمد بشكل أساسي على فكرة (الخوف الاحتياطي من المجهول والمختلف). أصحى الصبح ألاقي حيوان مجهول، أو نبات ما شوفتوش قبل كده، أو ظاهرة مناخية غريبة أو إنسان تاني ما اعرفوش وماشوفتوش هنا قبل كده ومش فاهم بيقول إيه.

لو اتخذت رد فعل متقبل ومتسامح ومنفتح تجاه أي من الحاجات دي فقد تتسبب في النهاية في مقتلي. أما إذا واجهتها بمزيج من الخوف والكره والتحين أو الحذر فده قد ينقذ حياتي في حالة كانت الحاجات دي فعلا فيها خطورة على سلامي. طب لو ما كانش وجودها هيتسبب في أي مشكلة؟ أنا كده ما خسرتش حاجة. أديني أخدت حذري احتياطي وخلاص.

من هذا المنطلق أظن الناس بتبص لأصحاب الأديان المختلفة واحتفالاتهم بنظرة (الكره أو الخوف الاحتياطي) دي.

طب مش جايز لو ولعت معاهم شمعة يفتكروا اني منهم وألاقيهم مدييني ساندوتش لحم خنزير؟

طب مش جايز لو قولتلهم كل سنة وانتم طيبين، ألاقيهم تاني يوم مهادييني بإنجيل و يبدأوا ينصروني أنا أو حد من العيال؟

طب مش جايز لو ابتسمت في وشهم وكان حد فيهم ناوي يسيب دينه ويلتحق بديني لما يشوف ابتسامتي دي يرجع في كلامي؟

طب مش جايز مجرد إني أسيبهم يعيشوا في سلام ده يخليني مذنب بشكل ما ومخلد في النار وبئس المصير؟ أنا عارف إن الأزهر قال عادي، والمفتي قال عادي، بس فيه شيخ ما في زاوية ما في قرية ما في أقاصي الصعيد قال مش عادي، طب مش جايز يطلع هذا الشيخ بالمصادفة صح، طب ما انا آخد بكلامه، وأمنع الفرحة تخش التاكس.. احتياطي.

على أي حال، ومن خلال متابعاتي الشخصية، فالمشاعر البدائية دي وإن كانت موجودة في بعض القلوب، لكن التصريح بيها أغلبه بيكون على السوشيال ميديا. أما في التعاملات اليومية فقلما هتلاقي مسيحي ما بيعيدش على مسلم في رمضان، أو مسلم ما بيعيدش على مسيحي في الكريسماس.

وكل إجراءات الخوف الاحتياطي والكره الاحتياطي دي في الواقع وفي الحياة اليومية، نحمد ربنا ونشكر فضله.. ليس لها أي مكان من الإعراب.